صحفيّو غزة تحت النار| ندوة دولية تطالب بمحاسبة قتلة الحقيقة
الاثنين - 8 ديسمبر 2025
- مسؤولون أمميون: استهداف صحفيي غزة جريمة ممنهجة.. وحمايتهم حق إنساني وقانوني
- مركز الجزيرة للحريات: لا حصانة لمرتكبي الجرائم .. وحماية الصحفيين مسؤولية دولية
- مقررتان خاصتان: الصمت تواطؤ مع الجناة… واستهداف الإعلاميين هجوم على الحقيقة
"إنسان للإعلام" – تغطية خاصة:
على هامش منتدى الدوحة 2025، نظم "مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان"، بالتعاون مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر، ندوة دولية بعنوان: "الصحفيون ضحايا الحرب على غزة: من المسؤول عن التحقيق والمساءلة في مقتلهم ومنع إفلات الجناة من العقاب؟"، بمشاركة خبراء ومقررين أمميين، وبحضور إعلامي وحقوقي واسع، خُصص لمناقشة واقع العمل الصحفي في غزة، والاستهداف المباشر الذي يتعرض له الصحفيون، ومسؤوليات المجتمع الدولي حيال حمايتهم وضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحقهم.
قدّم الندوة الإعلامي بقناة الجزيرة زين العابدين توفيق، مركّزًا على الإطار القانوني الدولي الذي يفرض التزامات واضحة لحماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة، ومنع الإفلات من العقاب.
ضرورة إصلاح المنظومة الدولية
في الكلمة الافتتاحية، أكد سلطان الجمالي، الأمين العام للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، أن انعقاد الندوة يعكس اهتمام اللجنة بالتفاعل مع التحديات المتصاعدة التي تواجه الصحفيين في غزة، وحرصها على متابعة تنفيذ مخرجات مؤتمراتها السابقة، وفي مقدمتها إعلان الدوحة بشأن حماية الصحفيين في النزاعات المسلحة الصادر في أكتوبر الماضي.
وأوضح الجمالي أن إعلان الدوحة يمثل إطارًا متقدمًا للارتقاء بمعايير حماية الصحفيين، مستندًا إلى توافق إقليمي ودولي، ومتناولًا جذور الإشكاليات التي تضاعف معاناة العاملين في المجال الإعلامي، مع تقديم توصيات وحلول عملية للحد من جرائم القتل والانتهاكات الجسيمة.
وأشار إلى أن إعلان الدوحة الأول الذي تبنته اللجنة الدولية عام 2012 أسفر عن خطوات عملية، من بينها إنشاء شعبة مختصة بسلامة الصحفيين في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، مؤكدًا العزم على مواصلة تنفيذ توصيات إعلان الدوحة الثالث لتعزيز حماية الصحفيين وتمكينهم في مناطق الصراع.
وحذر الجمالي من أن استمرار الانتهاكات ضد الصحفيين في غزة، وفرض القيود المتعمدة عليهم لإخفاء الفظائع وجرائم الحرب، يعكس بوضوح خطورة ازدواجية المعايير الدولية ويضعف فاعلية القانون الدولي.
أضاف أنه في هذا السياق، رحّبت اللجنة بجهود المقررات الخاصات المعنيات بحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، داعية إلى رفع القيود عن آليات حماية حقوق الإنسان، ووقف الأعمال الانتقامية ضد الخبراء والمقررين الأمميين.
وشدد على ضرورة إصلاح المنظومة الدولية لضمان محاسبة الجناة وحماية حقوق الضحايا، مختتمًا كلمته بالإشادة بالدور الذي يضطلع به مركز الجزيرة للحريات، وبمشاركة الخبراء والمقررين، والتأكيد على أن الجهود المشتركة تمثل أملًا حقيقيًا للانتصار لدماء الصحفيين.
حماية الصحفيين التزام دولي
من جانبه، قال سامي الحاج، مدير مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، إن الندوة تُعقد في لحظة اختبار حقيقي للقيم الإنسانية الجامعة: الحقيقة، والعدالة، وحق الصحفي في العودة سالمًا إلى بيته بعد أداء واجبه المهني.
وأضاف أن ما يتعرض له الصحفيون في غزة يمثل مأساة إنسانية تتطلب تضافر الجهود الدولية لوقفها ومحاسبة المسؤولين عنها.
وأكد الحاج أن عنوان الندوة يعبّر عن جوهر القضية، مشددًا على أن لا حصانة لمرتكبي الجرائم مهما كانت قوتهم أو مواقعهم، وأن الندوة تمثل امتدادًا للدور الذي اضطلعت به شبكة الجزيرة الإعلامية وشركاؤها في ترسيخ المعايير الدولية لحماية الصحفيين، من مشروع الإعلان العالمي لحمايتهم إلى إعلان الدوحة الأخير.
وأوضح أن حماية الصحفيين ليست ترفًا مهنيًا ولا مطلبًا نقابيًا، بل حق أصيل ومسؤولية دولية لا تحتمل التأجيل، مؤكدًا أن الصحفيين ليسوا أرقامًا أو خسائر جانبية، بل ركيزة أساسية للعملية الديمقراطية وحارسًا للحقيقة.
استهداف الصحفيين هجوم على الحقيقة
وفي مداخلة موسعة، شددت إيرين خان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بتعزيز الحق في حرية الرأي والتعبير، على أن القانون الدولي الإنساني واضح وصريح: الصحفيون مدنيون، والمعدات الصحفية منشآت مدنية تتمتع بالحماية.
وأشارت إلى أن هذه القواعد لا تُحترم في الأراضي الفلسطينية، حيث تُنتهك التزامات حقوق الإنسان بشكل ممنهج.
وحذرت "خان" من وجود محاولات منظمة لعرقلة التحقيقات، عبر وقفها أو التشكيك في الوقائع أو التشويش على الحقائق، مؤكدة أن هذه الأساليب باتت أكثر وضوحًا وشراسة في السياق الحالي.
كما أشارت إلى دور بعض الشركات والمؤسسات في تغذية هذا المناخ التحريضي، سواء من خلال أدوات تقنية أو منصات تُستخدم لنشر خطاب الكراهية.
وقالت: "التقيت بصحفيين من غزة، بعضهم جُرح خلال عمله، واستمعت إلى شهاداتهم. أدركت أن الهجوم لا يستهدفهم وحدهم، بل يستهدف الحقيقة نفسها". وأضافت أن الصحفيين ظلوا شركاء أساسيين للمدافعين عن حقوق الإنسان في كشف الانتهاكات، متسائلة: إذا استُهدف الصحفيون وصمت زملاؤهم، فمن سيبقى ليحمي الحقيقة؟
وانتقدت "خان" تحميل الضحايا مسؤولية قتلهم أو استهدافهم، مشيرة إلى أن اتهامات مثل "التحريض" أو "دعم الإرهاب" تحولت إلى أدوات لإسكات الأصوات الحرة، حتى داخل بعض وسائل الإعلام العربية، بدلًا من مساءلة الجناة.
وأكدت أن المسؤولية القانونية لا تقع على المنفّذين فحسب، بل تشمل المحرّضين والمسهّلين والداعمين، إضافة إلى الشركات التقنية ومنصات التواصل التي تسمح بخطاب الكراهية أو تسهم خوارزمياتها في التحريض على العنف.
الصمت أمام القتل خيانة للنزاهة
بدورها، أكدت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن موقفها الحالي نابع من سنوات طويلة من العمل القانوني داخل منظومة الأمم المتحدة، وأن النزاهة المهنية هي ما دفعها لاتخاذ موقف واضح مما يجري.
وقالت إنها لم تستطع البقاء صامتة أمام القتل الذي طال الأمهات والأطفال والآباء، ولا أمام الأكاذيب التي تُبرر الجرائم بدوافع سياسية واقتصادية، معتبرة أن "إسرائيل جزء من منظومة اقتصادية دولية تتجه نحو مزيد من العنف ضد البشر العاديين، وتقودها في الأساس مصالح القوى الكبرى".
وأضافت أن مشروع "إسرائيل الكبرى" لا يقتصر على السيطرة على الأرض، بل يستهدف الموارد الاستراتيجية في المنطقة، محذرة من أن هذا المشروع يهدد استقرار الشرق الأوسط، وقد يقود إلى تدمير شامل كما حدث في لبنان ودول أخرى.
وتطرقت ألبانيز إلى معاناة الصحفيين المستقلين في غزة، الذين يعملون دون مؤسسات قوية تحميهم، مؤكدة أنهم يقفون اليوم في الخطوط الأمامية لتغطية ما يُسمى وقف إطلاق النار، الذي لم يوقف الموت بل زاد من عدد الضحايا.
واختُتمت الندوة بنقاش مفتوح مع الحضور، وسط إجماع على أن حماية الصحفيين ليست مطلبًا إعلاميًا فحسب، بل حق إنساني وواجب قانوني دولي، وإحدى الركائز الأساسية لمكافحة الإفلات من العقاب، وصون الحق في الحقيقة، في غزة وكل مناطق النزاعات حول العالم.
